سارِقُ المِكْيالِ “قصة للأطفال” بقلم الكاتب د. شاكر صبري
من قصص الأطفال:
قصة: سارِقُ المِكْيالِ
بقلم: د. شاكر صبري – مصر
كان أَمْجَد طفلاً مؤدباً جميلاً يحِبُّه الجميع مع صغر سنه، كان أبوه يعمل تاجراً.
يحبُّ أمجدَ كثيراَ، ويتمني أن يصبحَ ابنه تاجراً ماهراً مثله، فكان يصحبه معه في تجارته.
كان أمجد صغيراً لا يعرف شيئاً ولكنه كان يرافق والده ويفرح بمرافقته له.
ومرَّت الأيَّامُ، وكبر أَمْجَد حتي أصبح عمره عشر سنوات.
وأصبحَ يفهم في التجارة، ولهذا بدأ والدَهُ يتركه وحده في المحل بدلاً منه، حينما كانَ يذْهَبُ لقضاءِ أمرٍ هامٍ عنده.
كان والده يعاني من مرضٍ مزمن ويشتري أدويةً كثيرةً بمبالغَ كبيرةِ كل شهر، وكان له جيران في المحل التجاري لا يحبونه ويتجنبون الحديث معه، وهو لا يعلم السبب وفي نفس الوقت كان لا يهمه أمرهم ولا يشغلُ بالهُ بِهم.
وذات يوم سمع أَمْجدُ من معلم الدين والأخلاقِ درساً هامَّاً عن الغش والخداع في البيع والشراء، وعن جزاء من يخدع الناس في تجارته، وعن فضل التاجر الأمين، قال أمجد: الحمد لله إن والدي تاجرٌ أمين.
وذات يومٍ وجد أمجد والده يبدل الموازين بموازين أخرى، فسأله أمجد لماذا تبدلها؟
قال له: لأن المراقب علي المحال التجاربة سوف يحضر إلينا اليوم.
قال أمجد: وماذا تفعل الآنَ؟
قال والده: إنني أقوم باستبدال الموازين المغشوشة بموازين سليمة، وبعدما ينصرف المراقبُ أعيدها إلى مكانها، وأستخدم الموازين المغشوشة.
قال أمجد: ولو عرف المراقب الحكومي ذلك ماذا سيحدث؟
قال: سيحرِّرُ ضدَّنا مَحْضراً في الشرطة، ونقدَّمُ للمُحاكَمَةِ، وربما كان جزائي الحبس يا بني.
قال أمجد: وكيف صنعتها إنها تشبه السليمة تماماً يا أبي؟
قال والده: لقد ذهبت إلى الحداد وطلبت منه عمل موازين مشابهة للموازين السليمة، فقام بعملها.
وهي تنقص عن الموازين السليمة في الميزان، فلا يستطيع أَحَدٌ أن يعرف أنها موازين مغشوشة.
صمت أمجدُ وحزن حزناً شديداً علي ما يفعله والده، وظل يفكر طويلاً ماذا يفعل؟
ثم ذهب إلي الحداد وطلب منه أن يقوم بعمل موازين مثل التي عملها لوالده، ولكن دون أن ينقص منها شيئاً، وطلب منه أن لا يخبر والده بشيءٍ من ذلك.
فقام الحداد بعمل هذه الموازين له، ودفع له أمجد المال من مصروفه الخاص.
استبدل أمجد الموازين الفاسدة بالموازين الصحيحة دون أن يُخْبِرَ والِدَهُ بشيءٍ، وأَخْفى الموازين القديمة في حجرة نَوْمِه.
ظل والده يستعمل الموازين الجديدة دون أن يدري أنها ليست مغشوشة.
ومرَّ عامٌ علي هذا النحو، وَجَدَ الرَّجُلُ أن مرضه المزمن قد شفيَ تماماً، وأصبح يوفر مالاً كثيراً كان ينفقه على الأدوية وزيارة الأطباء، وأصبح أيضاً يربحُ أكثر من ذي قبل في تجارته.
تعجّب الرجل وقال: إنك يا أمجد منذ أن بدأت تساعدني في العمل وزاد الخير عندي.
وذات يومٍ كانت الأمُّ تنظف حجرة أَمْجَد فعثرت علي كيسٍ من القماش به شيء ثقيل، فأرادت أن تعرف ما هذا الشيء؟ فوجدتْ الموازين القديمة، ولم تكن تعرف ما فعله أمجد، فظنت أن والده قد نسيها في حجرة أمجد، فأعطتها لوالده: فلما رآها فهمَ كلَّ شيء، وسأل أَمْجَد لماذا فعَلَ ذلك؟
قال أمجد: إنني لا أحب أن تنال إثماً وتغضب الله يا والدي، كما أنك ستخالف القانون، ولو تم القبض عليك فسوف تودع في السجن، و لن يبارك الله لك في تجارتك.
شعر الرجل بالندم علي ما فعل، وقال: حقاً يا بني كنت أسأل نفسي عن سبب البركة التي حدثت في حياتنا، منذ أن استعملت الموازين السليمة فقد شفاني الله من مرضي، وربحت تجارتي أكثر.
ولن أعودَ أبداً إلى الغش والخداع، وسوف أبدل الموازين التي أحضرتها بالموازين الحقيقية التي عليها ختم الدولة حتي لا أقع يوماً ما في مخالفةٍ قانونية، وأضر بنفسي.
وأصبح الأبُ نموذجاً للتاجِرِ الأمينِ.
ومرَّت الأيَّامُ، فوجَدَ الرَّجلُ أنَّ التُّجَّارَ الذين كانوا يكرهونه من دون إبداء الأسباب جاؤوا إليه واعتذروا عن سوءِ مُعامَلَتِهمْ له، وأصبحوا أصدقاءَ له يتبادلون الخبراتِ في التجارة.
———————————————