ثعلوب المحتال “قصة للأطفال” بقلم الكاتبة نجاة شباح

بعد الفيضانات التي اجتاحت الغابة ودمرت معظم مساكن الحيوانات، استغل ثعلوب الفرصة وجمع مجموعة من أصدقائه الثعالب وعلقوا في جذوع أشجار الغابة إعلانا مكتوبا فيه شركة ثعلوب للعقارات، مع رقم هاتفه وعنوان الشركة، فكل من يمر من الحيوانات يقرأ هذا الإعلان.

تمعن القندس في الإعلان جيدا: عقارات هذا ما أريده بالضبط؛ فمسكني هش؛ كلما تشتد الأمطار وخصوصا في فصل الشتاء لا أجد أنا وعائلتي مكانا آمنا نأوي إليه.

ودون رقم الهاتف لكي يتصل بصاحب الشركة.

شاهده الأرنب من بعيد الأرنب: هل رأيت الإعلان يا صديقي القندس؟

القندس: ومن منا لم يره فهو معلق في جميع أنحاء الغابة أخيرا، سأحصل على مسكن وتفك أزمتي.

الأرنب: ليست أزمتك أنت وحدك أزمتنا جميعا فأنا كذلك أعاني من ضيق المسكن مع كثرة الأولاد هل تعرف مكان العنوان المدون في الإعلان.

القندس: ليس بالضبط، سأستعلم من عند صديقنا الخنزير فهو الذي يعرف الأماكن جيدا. 

الأرنب: إذن سأصحبك ونذهب عنده.

القندس: إذن أسرع لا نؤجل مهمتنا.

وجدا الخنزير كذلك منهمك بقراءة الإعلان.

القندس: مساء الخير الحمد لله أننا وجدناك مازت هنا.

الخنزير: لو تأخرتم قليلا لما وجدتموني ما الذي جاء بكما؟

القندس: كما تعلم حالة مسكني متدهورة وتعبت من تجديده كل عام، أريد مسكنا جاهزا لكي أستقر فيه أنا وعائلتي، وعند قراءتنا للإعلان أنا وصديقي الأرنب، قلت له أنك الوحيد من يعرف مكان الشركة؛ لهذا جئنا لكي ترشدنا.

الخنزير: سأذهب معكما؛ فكلنا نعاني من أزمة السكن أنظرا بأنفسكما هل هذا منزل يصلح للعيش فيه؟ مهدم من كل الجوانب بقي السقف فهو الذي أحتمي فيه أنا وزوجتي وصغاري ما عدت أطيق صبرا.

الأرنب: الحال من بعضه، فلنذهب لكي نتمكن من إيجار أو شراء شقة فعدد الشقق الجاهزة محدود كما هو مدون في الملاحظة المكتوبة في أسفل الإعلان.

القندس: لم أقرأ الملاحظة، أنت ثاقب النظر يا صديقي الأرنوب.

الخنزير: هلم فلنسرع عندما وصلوا إلى المكان المحدد كان عامرا بجمع كبير من الحيوانات، خرج لهم ثعلوب ببذلته الرمادية وقبعته السوداء ونظارة في عينيه وشواربه الطويلة.

ثعلوب: السلام عليكم أيها السادة لقد فتحت هذه الشركة لأجلكم يا أصدقائي؛ لكي تنتفعوا بالشقق الموجودة فيها فهي كثيرة، ستكفيكم جميعا وهي معدة على مقاس كل الحيوانات؛ فهناك شقق للإيجار وشقق للبيع كل على حسب طاقته ومقدوره، لا تقلقوا فالمبالغ معقولة تناسب دخلكم جميعا والدفع سيكون فوريا والاستلام سيكون بعد شهرين من دفع المبلغ المستحق.

ولكي يثق فيه الجميع وتنطلي حيلته عليهم.

ثعلوب: ستدفعون مقابل صكوك أسلمها لكم.

ثعلوب بارع في الكلام استطاع إقناعهم بسهولة حتى أنه أخدهم ليريهم بعض المساكن الوهمية الجاهزة.

ثعلوب: هذه بعض المساكن الجاهزة أما الباقي فكما وعدتكم، سيجهز بعد شهرين وتستلمون المفاتيح في الموعد المحدد غدا سيكون الدفع اتفقنا يا أصدقاء. 

هذه الحيلة لم تنطلي على القنفذ، انسحب من بين الجميع من دون أن يشاهدوه وقال محدثا نفسه: مساكين هؤلاء الحيوانات، من يصدق ثعلوب؟ ومتى كان له هذه الشركة الوهمية؟ سأصلح مسكني بمفردي ولا أخسر نقودي، فما جمعته منها يكفيني لبناء منزل.

عادت كل الحيوانات من حيث أتت.

الأرنب مخاطبا جاره القنفذ الأرنب: أنت الوحيد الذي لم أشاهده في هذا التجمع الخاص، تريدون الحصول على سكن، هل منزلك لم يصب بالعطب إثر هذه الفيضانات الأخيرة؟

القنفذ: أنظر بنفسك يا جاري فمنزلي قد تهدم عن آخره وأنا وعائلتي لم نجد مكانا نأوي إليه سوى العراء، لكنني لم أصدق ولا كلمة قالها ذلك الثعلوب.

الأرنب: أنت دائما لا تثق في أحد كيف لا نصدقه وهو سيعطينا إيصالا مقابل المبالغ المدفوعة، ولقد أخدنا لنشاهد بعض المساكن التي في طور الانجاز.

القنفذ: إن غدا لناظره قريب، فالنقود التي معي ستكفيني لبناء منزل وسأتكفل ببنائه بمساعدة زوجتي وأولادي ولن أدفع له فلسا واحدا.

الأرنب: كما تشاء يا جاري فأنا ما عدت أطيق البناء كلما أصلح شرخا يتهدم حائط، أريد مسكنا متينا وافترقا.

في الصباح الباكر اجتمعت الحيوانات في المكان المحدد وسلموا المبالغ المالية لثعلوب وأعطاهم مقابلها إيصالات مدون عليها رقم المبلغ واسم الشخص.

ثعلوب: شكرا يا أصدقائي لأنكم منحتموني ثقتكم سأكون عند حسن ظنكم، كما أخبرتكم يا أعزائي بعد شهرين ستستلمون مساكنكم فالإيصالات التي أعطيتها لكل واحد منكم مكتوب عليها رقم الشقة ورقم العمارة والطابق فلنفترق على خير.

مرت الأيام ثقيلة على الحيوانات كلهم يتمنون انقضاء هذين الشهرين ما أطولهما.

القندس: لقد تعبت من الانتظار يا صديقي الأرنب وما عدت أتحمل البرد. 

الأرنب: لا تقلق يا صديقي مضى الكثير وما بقي إلا القليل فغدا موعدنا لنذهب الى مساكننا.

القندس: لن أستطيع النوم هذه الليلة.

الأرنب: ولا أنا سيهجرني النوم لذا سأبقى يقظا حتى طلوع الصباح أثناء انشغالهما بالحديث لم يعلما أن جارهما القنفذ قد سمع كل ما دار بينهما.

انتبه إليه الأرنب فوجده ينظر إليهما من منزله الجديد.

الأرنب: ألا تشاركنا سهرتنا يا جاري القنفذ.

القنفذ: وما الداعي لأسهر معكم فأنا لا أنتظر شيئا غدا فكما ترون بنيت منزلا جديدا بالنقود التي معي وجهزته بمختلف التجهيزات العصرية.

الأرنب: سيكون منزلنا أفضل من منزلك هذا سترى في الغد.

القنفذ: أنا لا أشتري السمك في البحر إني ذاهب للنوم تصبحون على خير وأغلق نافدة غرفته. في صباح يوم الغد اجتمعت الحيوانات للذهاب ورؤية شققها وكم كانت المفاجأة عظيمة أرض خربة لا شيء فيها سوى بعض الحفر وحتى ما أراهم من شقق في طور الإنجاز كانت مجرد خدعة وأصبح الجميع في هرج ومرج وتعالت صيحاتهم يبحثون عن ثعلوب في كل مكان لم يجدوا له أثرا.

الذئب: ما هكذا تحل المشكلة يا أصدقاء أنصتوا إلى علينا برفع قضيتنا إلى المحكمة.

الجميع: ما أخذ بالقوة لا يعود إلا بالقوة.

الذئب: المحكمة هي التي تفصل في القضية كفوا عن الفوضى فأنتم تتكلمون في لحظة غضب علينا التفكير بروية، وأخرج ورقة من جيبه هيا يا أصدقاء كل واحد يدون اسمه ويوقع أعطوني الإيصالات.

-يجب أن تعود إلينا نقودنا ويلقى عقابه هذا الثعلب المحتال. الجميع: فلنرفع القضية. 

بعدما أخد الذئب توقيعاتهم وإيصالاتهم أخدها إلى قاضي المحكمة كان القاضي قردا.

القاضي: يعني أن هذا الثعلوب خدعكم وسرق أموالكم. الذئب: كما ترى يا سيدي القاضي فالدليل أمامك.

القرد القاضي: لكن كما تعلم يا سيدي الذئب إن القانون لا يحمي المغفلين أنتم دفعتم له النقود بدون تبصر وروية هل سألتموه إن كان عنده سجل تجاري أم لا؟

الذئب: يا سيدي القاضي وجدنا شخصا يحل أزمتنا ولا نسلمه مالنا فقد كنا نتخبط في مشكل تهدم مساكننا مع هذه الفيضانات الأخيرة.

القرد القاضي: أفهم ذلك يا سيد ذئب أعلم كل الحيوانات أن ثعلوب سيلقى عقابه ولن يفر من القصاص لأنه تجرأ على قانون الغابة فهذا الثعلب له سوابق عدلية مشابهة؛ فالعام الماضي فعل نفس الشيء في الغابة المجاورة، وأوهمهم بمنحهم سكنات وصدقه الجميع، لكنه فر من العقاب هذه المرة سيلقى جزاءه أعدك.

أخيرا ألقت الشرطة المتكونة من مجموعة من الكلاب والذئاب القبض على ثعلوب وهو يحاول الفرار خارج البلد بجواز سفر مزور.

حكم عليه القاضي بإرجاع كل الأموال إلى أصحابها إثر الأضرار المادية التي سببها لهم مع السجن المؤبد مرفقا بالأعمال الشاقة؛ فقانون الغاب صارم يطبق على الجميع بدون استثناء.