عامرُ وشيخُ الوقتِ “قصة للأطفال” بقلم: رحمة مدني
عامرُ وشيخُ الوقتِ
قصة للأطغال
بقلم: رحمة مدني – الجزائر
يُحِبُ عَامرُ اللعبَ كثيرًا فهوَ يمضِي مُعظمَ وقتهِ في التسابقِ معَ أصحابهِ ، يلعبونَ الكرةَ، كمَا أنّهُ يحبُ القفزَ بالحبلِ أيضًا, لكنَّه يكرَهُ الدراسةَ كثيرًا فحينَ يعودُ للمنزلِ يتناولُ العشاءَ وينامُ مباشرةً لأنَّهُ منهكٌ منَ اللعبِ طوالَ النَّهارِ.
وعامرُ الصغيرُ لا يصغِي أبدًا لأمِّهِ التِّي تحثُه دائمًا علَى مراجعةِ دروسِه وحلِّ واجباتِهِ، يا لَهُ من ولدٍ عنيدِǃ
ذاتَ يومٍ وبينمَا كانَ عامرُ يلعبُ مع أصدقائهِ الغُمَيضَةَ, ذَهبَ ليبحثَ عن مكانٍ يختبئُ فيهِ, توغلَ عميقًا في الغابةِ القريبةِ من منزلهِم، وجدَ بابًا حديديًا قديمًا فقالَ فِي نفسِه: هذَا مكانٌ مناسبٌ للاختباءِ، لن يعثرَ علَي أحدٍ هنَا، فدفعَ البابَ بقوة ليجدَ نفسهُ داخلَ مدينةٍ كبيرةٍ تُشبِهُ مدينتَهُ كثيرًا لكنّهَا بدتْ قديمةً ومهجورةً، فالأرصفَةُ مُهدمةٌ والطرقُ متصدعَةٌ أما المَبَانِي فكانتْ تملؤُهَا الشقُوقُ وعمَّ المدينةَ سكونٌ رهيبٌǃǃ
تساءلَ عامرٌ: ترَى أينَ أنا ومَا هذَا المكانُ العجيبُ؟ وحين تلفتَ للخلفِ كانَ البابُ الحديدِيُّ الذي دخلَ منهُ قدِ اختفَىǃ…
حينها دبَّ الخوفُ في قلبِ عامرٍ فأخذَ يمشِي بسرعةٍ ينظرُ يمينًا تارةً ويسارًا تارةً أخرىَ فربمَا يجدُ ذلكَ البابَ، لكنَّهُ كلمَا تقدمَ للأمامِ شعرَ بأنّهُ لم يبارحْ مكانَهُ، لقد تعبَ من السيرِ وخارتْ قواهُ حينهَا سمعَ صوتًا يشبهُ دقاتِ الساعةِ: تيكْ تُوك، تِيك تُوك….أخذَ يقتربُ ويقتربُ منه ويزدادُ حدةً وعلوًا فتسمر واقفًا في مكانِه؛ لأنَّهُ رأَى فوقَ كل عمارةٍ ساعةً ضخمةً وأسفلَ قدميهِ علَى الأرضِ ساعةً ضخمةً أيضًا وسمعَ صوتَ شيخٍ كبيرٍ مقبلٍ من بعيدٍ يقولُ: مرحبًا بعامرٍ الضائعِ، هل جئتَ لتعيدَ الوقتَ الذي أضعتهُ؟
رد عامرُ متعجبًا: لم أفهمْ ǃ أرجوكَ أيها الشيخُ الحكيمُ دلنِّي على طريقِ العودةِ.
فكررَ الشيخُ نفسَ الكلماتِ: مرحبًا بعامرٍ الضائعِ، هل جئتَ لتُعيدَ الوقتَ الذي أضعتهُ؟
صرخَ عامرٌ: لم آتِي لأعيدَ أي وقتٍ، أريدُ العودةَ لألعبَ مع رفاقِيǃ
لكنَ الشيخَ لم يجبهُ وظلَ يكررُ نفسَ الكلماتِ حتَّى سألهُ عامرُ بعدَ أن نفدَ صبرُه: مَن أنتَ أيُّها الشيخُ؟ من تَكونُ؟
تبسَمَ الشيخُ وقال: أمَا عرفتنِي يا عامرُ؟ǃ أنَا شيخُ الوقتِ وآمركَ بإعادَةِ الوقتِ الذِي أضعتَهُ، تعجبَ عامرُ مما سمعَهُ واحتارَ في أمرهِ، فكيفَ يُعيدُ ما فَاتَ؟ لا بدَّ أنّ رفاقَهُ عَادُوا لبُيُوتِهِم الآنَ بينمَا هُو ضائعٌ في هذَا المكانِ.
غضِبَ شيخُ الوقتِ من تَذمُرِ عامرٍ وقال لهُ مُعاتبًا إيَاه: اللَعِبُ هوَ كُل مَا يهمُّكَ يا عامرǃ فَلْنَرَ هل ينجيكَ اللعِبُ مِن غَضَبِي.
هذهِ المرةَ لم يردِدْ الشيخُ فقط تلكَ الكلماتِ بل صدرتْ من كلِ الاتجاهَاتِ فأخذَ عامرُ يركضُ ويركضُ هرباً من غضبِ الساعاتِ يردِدُ في نفسهِ: لكننِي أحبُ اللعبَ كثيرًا…
قالَ شيخُ الوقتِ: بل تحبُ إضاعة الوقتِ كثيرًا، هيَّا اركُض لتعيدَ لنَا الوقتَ الذِي أضعتَهُ.
ركضَ عامر بأقصى سرعةٍ لكنَّه لم يتقدمْ ولو خطوةً وحين نظرَ للأسفلِ وجدَ ساعةً تحتَ قدميْهِ ففكرَ وقرَّرَ ربَّما إذا ركضَ في الاتجاهِ المعاكسِ يفلحُ، ونفذَّ بالفعلِ مَا قَّرَرَ فرأى عجبًا…
عادتِ المبانِي كما كانتْ، والأرصفةُ كذلكَ وأصبحتِ المدينةُ جديدةً تمامًا، أمَا عامرٌ فركضَ للأمامِ مسرعًا لقد عثرَ أخيرًا على البابِ الذِي دخلَ مِنهُ وقبلَ أنْ يخرجَ استدارَ للخلفِ ليجِدَ شيخَ الوقتِ يُلوِحُ لهُ بيدِهِ مبتسمًا وهوَ يقولُ:قمْ يا عامرُ لتعيدَ الوقتَ الضائعَ، قمْ يَا عامِرُ لتعيدَ الوقتَ الضائعَ…
فتح َعامرُ البابَ بسرعةٍ وحينَ اجتَازَهُ وجدَ نفسهُ ملقَى علَى الأرضِ قُربَ سريرِهِ وأمُّه تهزُهُ لتوقظَهُ كالعادَةِ كي يذهبَ إلى المدرسةِ فنهضَ واستعدَ بسرعةٍ وهوَ يرددُ
في نفسِهِ: الحمد لله كانَ حلمًا لكِن…
لمح فوقَ ساعةِ المنبِهِ شيخَ الوقتِ صغيرًا جدًا يُلَوِحُ لهُ ويقولُ: قم يا عامرُ لتعيدَ الوقتَ الضائعَ…
