الْعُصْفُورُ الأخْضَرُ “قصة للأطفال” تأليف ورسوم الكاتب مالك الشويّخ

” سَأَصْنَعُ بَبَّغاءً ألوانُهُ زاهِيَّةٌ فَيَحْكي لي حِكايَةً مُشَوِّقَةً.”

شَكَّلَ ببغاءً وطَلَبَ منه أنْ يَحْكيَ فصَمَتَ الصلْصالُ. 

قالَ شادي:

” هذا الببّغاءُ أبْكَمُ.. إنّه ببغاءٌ أحْمَقُ وقَبيحُ المَنْظَرِ لا يُحْسِنُ الغِناءَ والشَّدْوَ ولا يَحْكي حكاياتٍ..”

وصَمَتَ لَحظة وأضافَ:

” الطائرُ على حَقٍّ .. فمنقارُهُ منقارُ ديكٍ.. سأصنَعُ ديكًا لا.. لا.. إنّه يُوقِظُني بصياحِهِ عنْدَ طلوع الفَجْرِ.الدّيكُ مُزْعِجٌ وهذا الصّلصالُ مُقْرِفٌ..”

عجنَ الصَّلْصالَ.

” ماذا أصنَعُ يا تُرى؟ سأصْنَعُ بطْريقًا أنيقًا يتبختَرُ في مِشْيَتِهِ.. بَطريقا ؟ لا..لا أريدُ بطريقًا.. لأنّي أكرهُ اللّوْنَ الأسْوَدَ..”

ترك شادي الصَّلْصَالَ جانبًا واتَّجَهَ إلى مكْتبتِه الصّغيرَةِ وأخْرَجَ مَوْسُوعَةَ الطّيورِ وبدأَ يُقَلِّبُ الأوراقَ ويتعَرَّفُ إلى عالَمِ الطّيورِ. ألْقَى الموسوعَةَ جانِبًا، وجَلسَ على فِرَاشِهِ يتأمَّلُ قِطْعَةَ الصّلْصَال بينَ يَدَيْهِ.

ـ لماذا لا تنطِـقُ أيّها الصلْصَالُ ؟ ألا تُريدُ أنْ أَكَـوّرَك بأصابِعي لأُكوِّنَ طائرًا جميلاً يزْهو ريشُهُ بأجْمَلِ الألوانِ ويشْدو مِنْقارُهُ بأعذبِ الألْحَانِ ؟ تكلَّمْ أيّها الصّلْصال..

” تَكلّمْ يا عُصفوري الأخضرَ الجَميلَ.. أنا وحيدٌ.. مثلك.. لقد مَلَلْتُ منَ الواجباتِ المدرسيَّةِ.. انْحَنى ظهري من ثِقَلِ المِحْفَظَةِ.. لَيْسَ لي صديقٌ أحادِثُه.. أنا في حاجةٍ إلى صديقٍ يُؤْنِسني.. أنا أحبّكَ أيّها العُصْفُورُ الأخْضَرُ الجَميلُ، أحِبُّكَ كثيرًا..” 

اِنْحَدَرَتْ دَمْعَةٌ على خدِّ شادي، فانْتَفَضَ العُصفورُ الأخضَرُ، وأطْلَقَ زَقْزَقَةً صغيرَةً وقالَ:

ـ لا تَبكِ يا شادي.. اِمْسَحْ دَمْعَتَكَ الغالِيَةَ… سأكونُ صديقَك. أنا عُصفُورٌ أخْضَرُ. لَوْنُهُ مِنْ خُضْرَةِ البراري والحُقُولِ.. عُصفورٌ طَلِيقٌ كطَيْفِ النّسيمِ يَشدُو للأزْهارِ والأشجارِ والسّواقي والأنْهارِ.. يُحِبُّ كُلَّ الطّيورِ.. العنادِلَ الشّاديَّةَ والطّواويسَ المزهّوَةَ بِنَفْسِها والنُّسُورَ المحَلِّقَةَ في الأعالي.. يُحبُّ الحياةَ الجميلَةَ بألْوانِها وأنْغامِها..

وهَمَسَ شادي:

ـ هلْ تُحِبُّ البَّبغاواتِ الْحمْقاءَ أيُّها العصفورُ الأخْضَرُ؟

ـ الببغاواتُ أصْدِقائي إنّها ظريفةٌ وأنيقَةٌ وذكيَّةٌ..

ـ هل تُحبُ الدّيكَةَ الصّائِحَةَ؟

ـ الديكُ صديقي وأنيسي..

ـ لنْ أسْألَكَ عن البطريق إنّه يعيشُ بعيدًا في الشّمال وسط الجليدِ يسيرُ مُتَبَخْتِرًا بقميصِه الأبيضِ وبِسِتْرَتِهِ السّوداءِ كأنَّهُ ذاهبٌ إلى حفْلٍ رسميٍّ.

ـ رائعٌ.. هذا البطريقُ رائعٌ..

أزاحَ شادي الْغِطاءَ وهبَّ واقِفًا واتّجَهَ إلى مكْتَبِهِ الصَّغيرِ وقد تزاحَمتْ الأفْكارُ في ذهْنِهِ.. وشرَعَ بكُلِّ عِنايةٍ في تكوينِ عُصْفُورٍ جَميلٍ أخْضَرَ بالصّلْصالِ..

سيَصْنَعُ ديكًا يصيحُ: كوكوريكو، وبَطْريقًا أنيقًا لَونُهُ أزرقُ أو بُنِيٌّ. لنْ يَشعُرَ بالفراغِ بعْدَ الآن فقد وَجَدَ أصدقاءَ يُؤْنِسُونَ وحْدَتَهُ.