“لا تَكْسِري مَجاديفَ ابنتِك” بقلم نسرين سالم
من مقالات تربية الطفل:
لا تَكْسِري مَجاديفَ ابنتِك
للكاتبة: نسرين سالم
من مقالات تربية الطفل – لا تَكْسِري مَجاديفَ ابنتِك – للكاتبة: نسرين سالم – موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
تُكَوِّنُ مُعظمُ البناتِ فكرتَهن عن أنفسِهن من خلال عيونِ أمهاتِهن، وتعملُ هذه الفكرةُ الراسخةُ بقوةٍ داخلَ عقولِهن على برمجتِهن كليًّا، وهندسةِ حياتِهن كلِّها من أدقّ التفاصيلِ إلى أكثر الأمورِ أهميةً. كما أن البنات منذ نعومةِ أظفارِهن يبدأنَ بتخزينِ المواقفِ والأحداثِ التي يعايِشْنَها، كما تبدأُ أفكارُهُن عن الحياةِ وعن أَنفسِهن بالتبلورِ من خلالِ تفاعلِهِن مع هذهِ المواقفِ والأحداثِ.
إنْ أَحسَنْتِ العَملَ على بلورةِ هذه الأفكارِ في ذهنِ ابنتِكِ منذُ يومِ ميلادِها؛ فلن تواجِهي صعوباتٍ تُذكَر معها عندما تكبرُ، وتبدأُ في تشكيلِ فكرِها الخاصِّ عن الحياةِ.
كلامُ الأمهاتِ اليوميُّ مع بناتِهن، وسلوكُ الأمهاتِ اليومي أمامَ ناظرِ بناتِهن؛ بإمكانِه أن يعملَ على بناء شخصيةِ البنتِ بكل تفاصيلِها بشكلٍ مذهلٍ؛ لتصبحَ أيقونةً في المجتمع، كما بإمكانِه أن يدمرَها من الداخل تدميرًا كليًّا، فتكبُر لتصبحَ إما إنسانةً غاضبةً متمردةً، أو إنسانةً مهزوزةً غير واثقةٍ بنفسِها.
تستطيعُ الأمُّ أن تصنعَ من ابنتِها إنسانةً مميزةً بكل معنى الكلمةِ إن أحسنَت التعاملَ معها، كما أنَّ بإمكانِها أن تحصلَ على ابنةٍ تُتعبُها طوالَ عمرِها إن لم تتعاملْ معها بالشكلِ الصحيحِ من البدايةِ، لا شكَّ في أن الإصلاحَ ممكنٌ في جميعِ المراحل، لكن أفضلَ إصلاحٍ هو إتقانُ العملِ من البدايةِ.
السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه الآن هو؛ ما المطلوبُ منا كأمهاتٍ حتى نصنعَ إنسانةً قويةً واثقةً من نفسها؟
إِن أولَ مَا على الأمِّ أن تفعلَه هو أن تكونَ قدوةً حسنةً لابنتِها في كلِّ تفاصيلِ حياتِها؛ من أبسط سلوكٍ إلى أهم القراراتِ التي تتخذُها، اعلَمي أن ابنتَك سوفَ تحاكي كلَّ تصرفٍ تتصرفينَه أمامَها، وتتبنى كلَّ فكرةٍ تطرحينَها، وتتأثرُ بكل كلمةٍ تقولينها، إن كل فعلٍ تفعلينَه يؤثرُ في ابنتِك، وفي طريقةِ نظرتِها للأمورِ، وفي أفكارِها.
وحتى تكوني قدوةً حسنةً لابنتِكِ؛ أَعيدي النظرَ في أسلوبِ حياتِك، أعيدي النظرَ في طريقتِك في التعاملِ مع الآخرينَ، ومع نفسِكِ، والأهم مع ابنتِكِ، أعيدي ترتيبَ أولوياتِك، اعملي على الإصلاحِ المستمِر لنفسِكِ؛ فهذا من شأنِه أن يجعلَ منكِ -مع كل سنةٍ تزدادُ في عمر ابنتِكِ- إنسانةً أفضل، وأُمًّا أفضل، ابذلي قصارَى جهدِك حتى تكوني أفضلَ نسخة من نفسِكِ، فتُقَدمي لابنتِكِ أفضلَ قدوة.
والأَمرُ الثاني الذي عليكِ أن تنتَبهي له هوَ أن تتعامَلي مع ابنتِكِ باحترامٍ، وتقديرٍ، ومحبةٍ دائمًا وأبدًا، لا تهملي احتياجاتِها، لا تَتجَاهَلي مشاعرَها، اهتمي بتفاصيلِ حياتِها بمحبةٍ، شاركيها اهتماماتِها، اجعلي لحظاتِكما معًا من أسعد اللحظاتِ في حياتها، احرصي على جعلِ ذكرياتِها معكِ أجملَ ذكرياتٍ.
من مقالات تربية الطفل – لا تَكْسِري مَجاديفَ ابنتِك – للكاتبة: نسرين سالم – موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
يسهلُ على كثيرٍ مِن الأمهاتِ أن يُقَدمن لبناتِهن الاحترامَ والمحبةَ وحسنَ التعاملِ؛ عندما يكُنَّ غيرَ متعَباتٍ من ضغوطِ الحياة، ولكن بمجردِ أن تُواجِهَ الأمُّ ظرفًا صعبًا؛ يتغيرُ سلوكُها مع ابنتِها، وسيؤثرُ هذا التغيرُ سلبيًّا في الحالةِ النفسيةِ لِلبنتِ الصغيرةِ حتمًا، فَما هو التصرفُ الأنسبُ في هذه الحالةِ؟
لا ريبَ في أن الحلَّ يتمثلُ في أن تبذلَ الأمُّ قصارى جهدِها؛ لتضبطَ سلوكَها بحيثُ يكونُ أسلوبُها في التعاملِ مع ابنتِها واحدًا؛ سواءً كانت في يسرٍ أو في عسرٍ، من المفيدِ جدًّا أن تتعلمَ الأمُّ كيفَ تفصلُ مشاعرَها؛ فهي في تعاملِها مع ابنتِها أمٌّ حنونٌ رؤومٌ، وفي تعاملِها في ظرفِها الصعب امرأةٌ قويةٌ صلبةٌ، فلا تشبك الأدوار ببعضِها أبدًا مهما اختلطَت عليها المشاعرُ.
ومِن المواقفِ التي تُشَكلُ تحديًا لكثيرٍ من الأمهاتِ أن تقومَ البنتُ الصغيرةُ بإحدى مغامراتِها؛ مثل اللعبِ في مكياج والدتها، ربما أفسدت علبَ المكياج عندما كانت تتزينُ كالأميراتِ، أو لعلها ملأَت الغرفةَ بألوانِ المكياج، وربما أفسدَت أثاثًا في البيتِ، أو كسرت البيضَ كلَّه في الثلاجةِ، أو امتلأَ شعرُها بالترابِ عندما كانت تلعبُ في الحديقةِ لعبًا بريئًا؛ على الرغمِ مِن التحذيراتِ المتكررةِ، ما الذي تفعلُهُ معظمُ الأمهاتِ في هذه الحالاتِ وما شابهَها؟ هل تنفجرُ كالبركانِ الثائر؟ هل تتحولُ إلى كتلةٍ من الغضبِ الذي يرعبُ تلك الطفلة؟ صدقيني؛ لن تَنسى ابنتُك ردَّ فعلِك في مثلِ هذه المواقفِ، التي لا بد أنها حدثت مع كل واحدةٍ مِنا على الأقل مرةً واحدةً في حياتها.
هناك نوعان من الأمهاتِ في هذه الحالاتِ:
- الأم الثائرةُ الغاضبةُ؛ التي تقومُ برد فعلٍ عنيفٍ؛ سواءً جسديًّا أم لَفظيًّا، وتؤذي طفلتَها لا محالةَ برد فعلِها الغاضبِ المُبالَغِ فيه، الذي يتبعُه ندمٌ وأسفٌ.
- الأم التي تدركُ أَنَّ ابنتَها في كل تلكَ التصرفاتِ وما يشبهها إنما تكتشفُ العالمَ، وتخوضُ المغامراتِ، وتجري التجارب، ربما شاركت ابنتَها اللعبَ، ثم قدّمت لها عددًا من النصائح، قبل التعاونِ في التنظيفِ، وبذلك تعلّمت الطفلة درسًا في الحياة، وتم بناءُ علاقةٍ صحيةٍ بين الأم وابنتِها، بالإضافةِ إلى أنها صنعَت ذكرى جميلةً ستعيشُ مع البنتِ إلى الأبدِ.
عندما تختارُ ابنتُك شيئًا من السوقِ لا يعجبُك؛ ماذا تفعلين؟ هل تقولين عباراتٍ إيجابيةً؟ أم عباراتٍ سلبيةً؟
هل تقولين عباراتٍ إيجابيةً مثل؛ ما أجمله! أحسنتِ الاختيارَ! لديكِ ذوقٌ جميلٌ. وفي حالِ لم يَرُق لك اختيارها لعلّك تقدمين لها عددًا من البدائلِ، ثم تطلبين منها الاختيارَ من جديدٍ، ولعلك تراعين الفرقَ بين ذوقِ جيلِك وذوقِ جيلِها، فتعطيها حريةَ الاختيارِ كليا أو جزئيًّا، ضمن ضوابط محددةٍ، لكن بأسلوبٍ فيه تفهُّمٌ وتقديرٌ ومراعاةٌ.
من مقالات تربية الطفل – لا تَكْسِري مَجاديفَ ابنتِك – للكاتبة: نسرين سالم – موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
أم تقولينَ عباراتٍ سلبيةً مثل؛ لا؛ إنه قبيحٌ، سيئٌ للغايةِ، لا ينفعُ. وغيرها من العباراتِ التي تُحطمُ ثقةَ ابنتِك بنفسها، وبقدرتِها على الاختيار ِالجيدِ.
بعد هذا الموقفِ؛ قد تحجمُ ابنتُك عن الذهابِ معك إلى السوقِ، أو تتوقفُ عن أخذ رأيِك في اختياراتِها، أو ترفضُ إعطاءَك رأيَها، ثم تصبحينَ في حيرةٍ من أمركِ، تُسائلِين نفسكِ؛ ما بالُها؟ لمَ تغيرَت؟ لِمَ تنفر مني؟ أليس أسلوبُك في الحديثِ معها هو ما جعلَها تنفرُ منكِ؟! فَانتبهي -رعاكِ اللهُ- إلى أسلوبِك في الحديثِ معها.
هل تُقارِنِينَ شكلَ ابنتِكِ بغيرهِا؟ فَتذْكُرينَ أن تلكَ البنتَ أجملُ، أو أذكى، أو أكثر تفوقًا من ابنتكِ؟ هل تقللينَ من قدرِ ابنتِك وتحطمينَ مجاديفَها بهذهِ الطريقة؟ توقفي فورًا! وأصلحي ما كسرتِ داخلَ ابنتِك، أصلحِي ما تبقى من علاقتِكما المهشمةِ إن كانَ هذا أسلوبك.
من مقالات تربية الطفل – لا تَكْسِري مَجاديفَ ابنتِك – للكاتبة: نسرين سالم – موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
إِن ابنتَك أفضلُ من غيرِها في كثيرٍ من الصفاتِ، كما أن غيرَها أفضلُ منها في صفاتٍ أُخرى. المطلوبُ منكِ كأمٍّ أَن تُحِبيها وتقبليها كما هي تمامًا؛ فهذا الأمرُ وحده كفيلٌ وقادرٌ على بناء علاقةٍ قويةٍ كقوةِ الفولاذِ، عصيّةٍ على الانكسارِ؛ لأن الإنسانَ عندما يحب الآخر كما هوَ؛ سوفَ يتقبلُ تصرفاتِه برحابةِ صدرٍ، ويعملُ على إصلاحِ أخطائِه بأفضل الوسائلِ؛ فالمُحب حريصٌ على مشاعرِ مَن يُحب، ومن شأنِ الانتقادِ والمقارنةِ السلبيةِ أن تَجعلَ المسافةَ بين قلبيكُما كبيرةً جدًّا، فتوقفي فورًا بقرارٍ حاسمٍ، واعملي على رتقِ الجروحِ التي لطالما آلمَتْ قلبَ ابنتِك.
حريٌّ بنا أن نذكرَ أن البنتَ تتأثرُ أَشدَّ التَّأثُّرِ بأسلوبِ الوالدينِ كلَيهِما، وليسَ الأمّ فقط، أخبرينا عن مواقفَ مشابهةٍ مررتِ بها أمًّا أو طفلةً، وكيف تصرفتِ في ذلك الموقفِ، أو كيفَ تصرفَتْ والدتُكِ معكِ؟
———————————————