مَجَلَّتِيْ وَالْنَّار! “قصة لليافعين” بقلم: رضوان الشريف، ورسوم: نهال عبد النبي
“من قصص اليافعين”
مَجَلَّتِيْ وَالْنَّار!
بقلم: رضوان الشريف
رسوم: نهال عبد النبي
تم نشر القصة ضمن: العدد السابع من “مجلة غيمة الفصليّة للأطفال واليافعين”
فتحتُ الحصّالة بعينين جائعتين، لأرى كم من المال استطعت أن أجمع طوال الشهر! يشبه جمع مصروف المدرسة داخل الحصالة لشراء الكتب زرعَ الأرض وانتظار الثمر، هكذا كُتب في إحدى قصص مجلتي المفضلة، وفي الحقيقة الحقيقة هكذا فعليًا كنت أشعر نهاية كل شهر!
خبّأت النقود في جيبي، ولكن كان بريقها يلمع في عينيّ! أخذت ألتهم المسافة بحماسة لكي اشتري الإصدار الجديد من مجلتي المفضلة!
مررت بأحدِ جيراني في الحارة بينما كان يلعب بجواله. رفع رأسه حين انتبه لي، ثم رمقني بنظرة ازدراء وقال بسخرية:
ها هي دودة الكتب كالعادة تزحف إلى كشك الجرائد!”
لم أعره اهتمامًا ومضيت في طريقي!
في ذلك اليوم كان السوق مزدحمًا جدّا بالناس على غير العادة!
كان أحدهم يدفعني بشدة، وآخر يدوس على قدمي بقوة، ولم أنتبه وقتئذ إلى سقوط النقود من جيبي!
كنت أتفصّدُ عرقًا، وأتنهد عميقًا، ولكن حين كنت أفكر برائحة المجلة وهي جديدة،
أخيرًا وحين كانت تفصل بيني وبين كشك المجلات بضع خطوات، توقفتُ وهالني المنظر! أحدهم يصرخ مذعورًا:
“النار تلتهم كل شيء! نحتاج الماء هنا! أسرعوا!”
كانت أمامي آنذاك أبشع محرقة شهدتها في حياتي! محرقة شخصياتي المفضلة: سامي، وماجد، والجدة نجيبة العجيبة! كلهم كانوا يحترقون أمام عيني! خيّل إليّ للحظة بأنهم ينادوني لإنقاذهم!
كانت النار تلتهمهم بشراهة وتلتهم لهفتي معهم! أخذت أمشي حزينًا حول المكان والنار تأكل كلما تصل إليه! أردت أن أرمي بنفسي وسطها حتى أحصل على مجلتي المفضلة!
اقتربت من النار لا شعوريًا رغم حرارتها! وفجأة أمسك صاحب الكشك ذراعي ما إن لمحني! وقال بصوتٍ مبحوح وحزين:
“عد إلى المنزل، يا عزيزي!”
مشيتُ بيأس وقنوط إلى المنزل! وأنا أمشي، ربّت أحدهم على كتفي! التفت وإذا بهِ رجلٌ ارتسمت خطوط التعب على وجههِ، قال لي:
“هذه نقودك! لقد سقطت منك في السوق! خذها”.ابتسمت له رغم خيبة الأمل وقلت له: “لا أحتاجها الآن! خذها هي لك!” عدت إلى المنزل متعبًا، ودخلت إلى غرفتي، لأتفاجأ حينها برؤية مجلتي المفضلة وبإصدارها الجديد مُلقاة على سريري!
طرت فرحًا، أخذت أقلّب الصفحات الجديدة، اللذيذة بنهم شديد!
في المساء اكتشفت أن أبي كان قد اشترى لي المجلة أثناء ذهابه إلى العمل، ربما قبل احتراق الكشك.