أسرتي سعادتي
بقلم : فوزية شنانفه – الجزائر
إِنَّ الْأُسْرَةَ بِمَفْهُومِهَا البَسِيطِ المُتَوَاضِعِ خَلِيَّةٌ تتكون في البدء من الزوْجين، ثمَّ لا تلبث تلك الخلية أن تكبر وتكبر حتى تصير أسرة كاملة حسب ما قدر لها. فهي بمثابة الرَّكيزة الأسَاسية لكل مجتمع، فحتى تنشأ المجتَمَعات المتعارف عليْها لابد أن تكون نواتها الأساسية “الأسرة”، إذ لا يمكن لنا أن نؤسس مجتمعات ولا ما يسمى بالدول ولا الأمم إلا إذا انطلقنا أولاً من تأسيس هذه النواة. وتكوين الأسرة أمر جُبلت عليه كل مخلوقات الله في الكون، باختلاف طبيعتها أو أصنافها، فمن الاستحالة التامة أن يتمكن أي فرد مهما كان انتماؤه من أن يعيش منعزلاً عن غيره وتكون له القدرة على تحقيق كافة متطلباته من دون اللجوء إلى من هو أقدر على تحقيقها، وهذا مصداق لقوله – سبحانه وتعالى-:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)). (سورة الحجرات/ 13).
وفي سعي الأفراد لإنشاء الأسر صغيرة كانت أو كبيرة، فهي تضمن تحقق شرط التوازن البيئي واستمرار بقاء الأجناس.
وحتى نجعل من أسرنا أسراً صالحة سعيدة لابد أن نهيّئ لها أسباب ذلك، ونوفر سبل الصلاح لها وتحقيق السعادة لأفرادها. ولنتمكن من ذلك لا بد من السعي الحثيث وراء عوامل صلاحها وتقواها، فكيف يمكن أن نصلح الأسرة، ونجعل منها خلية صالحة يعتمد عليها في تنشئة مجتمعات متحضرة تساير ركب الحضارة، وتبحر في فلك التقدم والازدهار، لكن مع مراعاة حدود الله، وإقامة شرعه باعتبار أننا أمة مسلمة لا بد لنا من التشبّث بديننا، والتمسك بقيمنا ومبادئنا حتى لا ننسلخ تماما عنها وننجر خلف زخرف الحضارة وننسى الهدف من خلقنا ووجودنا في الكون؟
من عوامل سعادة الأسرة:
إن صلاح الأسر وسعادتها، متوقف على أخلاقها وقناعتها، أخلاقها الطيبة كأن ينشأ أفرادها على تقوى الله والخوف منه، والسعي لنيل رضاه وتجنب سخطه وغَضَبهِ، بالعمل بأوامره والابتعاد عن نواهيه، و أن تبنى على الصدق والأمانة وغيرها من مكارم الأخلاق التي تزين كل أسرة تقية مؤمنة، أما عن قناعتها فبالرضا بما هو مقدر لها، فإن كانت فقيرة صبرت واحتسبت وأوكلت أمرها إلى الله، وإن كانت غنية شكرت وحمدت ربها على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
ومن عوامل سعادة الأسرة أيضاً، أن تعمل جنباً إلى جنب حتى توفر جو الفرح والسرور لكل أفرادها، وأن تضم اليد إلى اليد حتى تبعد بعضها عن بعض كل هم وغم، وتسعى إلى إبداله بالبهجة والسرور، وأن تحاول دوماً توفير الجو الملائم لذلك؛ بألا يتخلى أفرادها عن مسؤولياتهم ويلقوها على عاتق أحد منهم كالأب أو الأم مثلا، فيبقى أحدهما متخبطاً في دوامة من المسؤوليات الكثيرة التي ترهق كاهله وتقض مضجعه، وتبعد عنه الراحة والسكينة، وبذلك لن يتمَكن من توفير ما يجب توفيره من مستلزمات أسرته سواء كانت مادية أو معنوية.
فلتعلموا يا صغاري أن كلاً منكم يملك جنة فوق الأرض، هذه الجنة تتمثل في الهبة التي وهبها الله له وهي أسرته. ربما ننزعج من بعض أفراد عائلتنا في حين من الأحيان، لكن هذا الانزعاج لا يلبث أن يزول؛ لأننا نعيش مع أشخاص يحاولون إدخال الفرح إلى قلوبنا، ورسم البسمة على وجوهنا، لذا فلتعملوا جاهدين من أجل أن تجعلوا من أسركم أسراً سعيدة، وتحاولوا تشارك الواجبات فيما بينكم وبين أفراد عائلتكم حتى تتمكنوا من العيش في جنة أنتم ملاكها وصُناعها.
هيا بنا، لنجعل شعارنا: أسرتي منبع سعادتي وراحتي، فكيف لا أجد السعادة والراحة مع أبي وأمي وإخوتي؟! لِنُغيّر مفهومنا للأسْرَة من البَسِيطِ إلى كونها الحصن المَنيع الذي يحميني من كل سوء، ويقيني من كل شر، ويدفع عني كل ضر. فمن منكم لا يعتبر أُسرته سر سعادته، ومَن مِنكمْ لا يعتبِر أسرته كل هذا؟
———————————————